التواضع: مفهومه وأنواعه وأثره في حياتنا

التواضع في الإسلام هو خُلُق رفيع وقيمة عظيمة يحث عليها الدين ويشجع المؤمنين على التحلي بها في تعاملاتهم مع الآخرين ومع الله سبحانه وتعالى

التواضع هو فضيلة وأسلوب حياة يتسم بالاعتدال في تقدير الذات والتعامل مع الآخرين بتواضع ولطف واحترام. يعني التواضع أن الشخص لا يرى نفسه أفضل من الآخرين، بل يدرك أن جميع الناس متساوون في الكرامة والقيمة، بغض النظر عن اختلافاتهم.

التواضع لا يعني التقليل من الذات أو إخفاء الإنجازات، بل يتجلى في تقديم الاحترام للآخرين، الاستماع بتفهم، وقبول النقد البنّاء دون تعالٍ أو غرور. وهو القدرة على الاعتراف بنقاط الضعف، وطلب المساعدة عند الحاجة، وعدم التفاخر بالإنجازات أو التكبر على الآخرين.

يقال إن التواضع هو زينة العقل، وهو مفتاح القلوب وقلب العقول. فمهما بلغ الإنسان من شأن أو مقام، فإن التواضع يزيده شرفًا وجمالًا. وفي هذا المقال، سنتعرف على مفهوم التواضع وأنواعه وأثره في حياتنا.

معنى التواضع لغة واصطلاحاً

معنى التواضع لغة:

يقال وضَعَ فُلانٌ نَفْسَهُ وضْعاً، ووُضُوعاً بالضَّم، وَضَعَةً، بالفَتْحِ: أي أزلها. وتَوَاضَعَ الرَّجُلُ: إذا تَذَلَّلَ، وقيلَ: ذَلَّ وتَخاشَعَ. وقال في (الصحاح): وَضُع الرجل بالضم يوضع ضِعَةً بفتح الضاد وكسرها أي صار وضيعا.

معنى التواضع اصطلاحاً:

التواضع هو: ترك الترؤس، وإظهار الخمول، وكراهية التعظيم، والزيادة في الإكرام، وأن يتجنب الإنسان المباهات بما فيه من الفضائل، والمفاخرة بالجاه والمال، وأن يتحرز من الإعجاب والكبر.

وقيل هو: رضا الإنسان بمنزلة دون ما يستحقه فضله ومنزلته. وهو وسط بين الكبر والضعة، فالضعة: وضع الإنسان نفسه مكانا يزري به بتضييع حقه. والكبر: رفع نفسه فوق قدره.

وقيل هو: إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه، وقيل هو تعظيم من فوقه فضله.

اقرأ أيضًا: أجمل ما قيل في التواضع.

التواضع في الإسلام

التواضع في الإسلام هو خُلُق رفيع وقيمة عظيمة يحث عليها الدين ويشجع المؤمنين على التحلي بها في تعاملاتهم مع الآخرين ومع الله سبحانه وتعالى. التواضع يتجلى في سلوك الإنسان وتعامله بأدب واحترام مع الناس دون تكبر أو تعالٍ، بغض النظر عن مكانته أو علمه أو ثروته.

التواضع في القرآن الكريم

قال الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}[الفرقان: 63]. في هذه الآية الكريمة، يصف الله المؤمنين الصالحين بأنهم يتصفون بالتواضع، ويمشون على الأرض بوقار دون استعلاء.

وقال الله سبحانه: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[لقمان: 18]. تحذر هذه الآية من التكبر وتحث المؤمنين على التواضع في التعامل مع الناس.

التواضع في السنة النبوية

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من تواضع لله رفعه الله” (رواه مسلم). يشير الحديث إلى أن التواضع ليس علامة ضعف، بل هو سبب لرفعة الإنسان عند الله.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر”. فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا؟ فقال: “إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس” (رواه مسلم). ومعنى بطر الحق: دفعه وإنكاره ترفعاً وتجبراً. ومعنى غمط الناس: احتقارهم. وفي هذا الحديث، يوضح النبي أن الكبر ليس في المظهر، بل في رفض الحق والاستخفاف بالناس.

اقرأ أيضًا: أبيات شعر قصيرة عن التواضع.

أقسام التواضع

التواضع تواضعان: أحدهما محمود والآخر مذموم:

التواضع المحمود:

  • النوع الأول: تواضع العبد عند أمر الله امتثالا، وعند نهيه اجتنابا، فإن النفس لطلب الراحة تتلكأ في أمره، فيبدو منها نوع إباء وشراد هربا من العبودية وتثبت عند نهيه طلبا للظفر بما مُنع منه، فإذا وضع العبد نفسه لأمر الله ونهيه فقد تواضع للعبودية.
  • والنوع الثاني: تواضعه لعظمة الرب وجلاله وخضوعه لعزته وكبريائه، فكلما شمخت نفسه ذكر عظمة الرب تعالى وتفرده بذلك، وغضبه الشديد على من نازعه ذلك، فتواضعت إليه نفسه، وانكسر لعظمة الله قلبه، واطمأن لهيبته وأخبت لسلطانه، فهذا غاية التواضع.

التواضع المذموم:

  • قال ابن القيم: ومن التواضع المذموم المهانة، والفرق بين التواضع والمهانة، أن التواضع: يتولد من بين العلم بالله سبحانه ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله وتعظيمه ومحبته وإجلاله، ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها وعيوب عملها وآفاتها، فيتولد من بين ذلك كله خلق هو التواضع وهو انكسار القلب لله، وخفض جناح الذل والرحمة بعباده، فلا يرى له على أحد فضلا، ولا يرى له عند أحد حقا، بل يرى الفضل للناس عليه، والحقوق لهم قبله، وهذا خلق إنما يعطيه الله عز وجل من يحبه ويكرمه ويقربه.
  • وأما المهانة: فهي الدناءة والخسة، وبذل النفس وابتذالها في نيل حظوظها وشهواتها، كتواضع السفل في نيل شهواتهم، وتواضع المفعول به للفاعل، وتواضع طالب كل حظ لمن يرجو نيل حظه منه، فهذا كله ضعة لا تواضع، والله سبحانه يحب التواضع، ويبغض الضعة والمهانة، وفي الصحيح عنه: وأوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد.

أنواع التواضع

التواضع ليس سلوكًا واحدًا موحدًا، بل تتعدد أنواعه وأشكاله، ومن أهمها:

التواضع في النفس:

  • عدم التكبر بالمال: أي عدم الاستعلاء على الآخرين بسبب الثروة المادية.
  • عدم التكبر بالمنصب: أي عدم استغلال السلطة أو المكانة الاجتماعية لإيذاء الآخرين.
  • عدم التكبر بالأصل والنسب: أي عدم التفاخر بالأصل أو العائلة.

التواضع مع الله:

  • الخضوع لأوامر الله: أي تنفيذ أوامر الله والابتعاد عن نواهيه.
  • الشعور بالعبودية لله: أي الاعتراف بأن الإنسان عبد لله وأن عليه طاعته.
  • التوكل على الله: أي الاعتماد على الله في كل الأمور.

التواضع للناس:

  • عدم التكبر: عدم الشعور بالتفوق على الآخرين مهما كانت الظروف.
  • الاعتراف بفضل الآخرين: الشكر والتقدير للآخرين على ما يقدمونه.
  • الإنصات الجيد: أي الاستماع لآراء الآخرين واحترامها.
  • التعاطف مع الآخرين: أي محاولة فهم مشاعرهم ومشاركتهم أحزانهم وأفراحهم.
  • مساعدة المحتاجين: تقديم العون والمساعدة للفقراء والمساكين.
  • الاعتراف بالأخطاء: الاعتراف بالخطأ عند ارتكابه والاعتذار عنه.
  • تجنب التفاخر: عدم التباهي بما يملك من مال أو منصب أو غيره.

التواضع للوالدين:

  • بر الوالدين: طاعة الوالدين وإكرامهما.
  • احترام كبير السن: احترام كبار السن وتقديم العون لهم.
  • التواضع مع الأقارب: التعامل بلطف واحترام مع جميع أفراد الأسرة.

التواضع في العلم:

  • عدم التكبر بالعلم: أي الاعتراف بأن العلم بحر واسع وأن المرء لا يزال لديه الكثير ليتعلمه.
  • احترام العلماء: احترام العلماء وتقدير علمهم.
  • عدم التفاخر بالعلم: عدم التفاخر بالعلم أو التباهي به.

التواضع في اللباس والمشية:

  • اللباس البسيط: أي تجنب المبالغة في الزينة والتبرج.
  • المشي بهدوء: أي تجنب التباهي والمشي بخطوات متكبرة.
  • التواضع في السلوك: تجنب التصرفات المتكبرة أو الاستعلائية.

التواضع في الكلام:

  • الحديث بلطف: أي تجنب الكلام الجارح والوقح.
  • الحديث عن الخير: أي تجنب الغيبة والنميمة.

الفرق بين التواضع والتذلل

  • التذلل: إظهار العجز عن مقاومة من يتذلل له.
  • التواضع: إظهار قدرة من يتواضع له سواء كان ذا قدرة على المتواضع أو لا، ألا ترى أنه يقال: العبد متواضع لخدمه، أي يعاملهم معاملة من لهم عليه قدرة، ولا يقال: يتذلل لهم، لأن التذلل إظهار العجز عن مقاومة المتذلل له وإنه قاهر وليست هذه صفة الملك مع خدمه.

الفرق بين التواضع والخشوع

  • التواضع: يعتبر بالأخلاق والأفعال الظاهرة والباطنة.
  • الخشوع: يقال باعتبار الجوارح، ولذلك قيل: إذا تواضع القلب خشعت الجوارح.

فوائد التواضع

التواضع فضيلة عظيمة حثنا عليها الإسلام، وهي مفتاح لكثير من الخيرات والبركات. إليك بعض فوائد التواضع:

  • تقريب العبد من الله: التواضع يجعل القلب خاشعاً لله، ويقربه من رحمته.
  • زيادة الأجر والثواب: المتواضع يحظى بحب الله ورضاه، ويكون أكثر أهلًا للإحسان.
  • كسب محبة الناس: التواضع يجذب الناس ويجعلهم يحبون المتواضع ويقدرونه.
  • درء الكبر والغرور: التواضع هو أفضل سلاح لمحاربة الكبر والغرور اللذين يدمران الإنسان.
  • السعادة والطمأنينة: المتواضع يعيش في سعادة واطمئنان نفسي.
  • النجاح في الحياة: التواضع يساعد على بناء علاقات اجتماعية قوية، ويفتح أبواب الرزق.
  • الحماية من العذاب: الكبر من صفات المنافقين، والتواضع من صفات المؤمنين.
  • رفع المكانة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تواضع لله رفعه".
  • الوصول إلى أعلى المراتب: التواضع يفتح أبواب العلم والحكمة، ويقرب الإنسان من الله ومن عباده الصالحين.

إرسال تعليق

أحدث أقدم