الوفاء في الإسلام: مفهومه وأهميته وأنواعه

معنى الوفاء لغة واصطلاحاً، أنواع الوفاء في الإسلام، معنى الوفاء في حياتنا وأثره على المجتمع، فوائد وآثار الوفاء بالعهد في الإسلام

معنى الوفاء في حياتنا وأثره على المجتمع

الوفاء من القيم الإنسانية العظيمة التي ترتبط بالولاء والإخلاص، ويعكس سمو الأخلاق ونبل المعاملة. فهو التزام بتعهدات معينة أو عهد معين، سواء كان بين الأفراد أو الجماعات، ويشمل الصدق والثبات على المبادئ والقيم في كل تعاملاتنا مع الآخرين. وقد عُظم حال السموأل فيما التزم به من الوفاء بدروع امرؤ القيس، مما يدل على أن الوفاء قيمة عظيمة قدَّرها عرب الجاهلية.

يبرز معنى الوفاء في الصداقة والعلاقات الأسرية، وكذلك في الالتزام بالوعد والعمل والإخلاص للوطن والمجتمع. وفي هذه المقالة، سنتناول مفهوم الوفاء وأهميته في حياتنا، وكيف يعزز من الثقة بين الناس ويقوي روابطهم، مما يسهم في بناء مجتمع متماسك ومستقر.

معنى الوفاء لغة واصطلاحاً

معنى الوفاء لغة:

الوفاءُ ضد الغَدْر، يقال: وَفَى بعهده وأَوْفَى بمعنى، ووفى بعهده يفي وفاءً، وأوفى: إذا تمم العهد ولم ينقض حفظه.

الوفاء: وفى الشيء يفي وفاء، ووفياً: تم. وفلان نذره وفاء: أداه وعمل به. وأوفى بالوعد والعهد: وفي. ووافى: فاجأه. ووفى فلاناً حقه: أوفاه إياه. والوفي: التام والكثير الوفاء، وجمعها أوفياء.

معنى الوفاء اصطلاحا:

الوفاء هو: ملازمة طريق المواساة ومحافظة عهود الخلطاء. وقيل: هو الصبر على ما يبذله الإنسان من نفسه ويرهن به لسانه، والخروج مما يضمنه وإن كان مجحفاً به. وقال الغزالي إن الوفاء هو: الثبات على الحب وإدامته إلى الموت معه، وبعد الموت مع أولاده وأصدقائه. أو هو: أداء الحق.

وفي المجمل الوفاء في المعنى اللغوي: يعني الخلق العظيم الدال على التمام والإكمال.

اقرأ أيضًا: قصيدة عن الوفاء: أبيات شعر قصيرة عن الوفاء.

أنواع الوفاء في الإسلام

الوفاء خلق إسلامي رفيع وله صور وأنواع عدة منها:

١ - الوفاء بالعهد الذي بين العبد وربه: فالعهود التي يرتبط المسلم بها درجات، فأعلاها مكانة، وأقدسها ذماماً، العهد الأعظم، الذي بين العبد ورب العالمين. فإن الله خلق الإنسان بقدرته، ورباه بنعمته، وطلب منه أن يعرف هذه الحقيقة، وأن يعترف بها، وألا تشرد به المغويات، فيجهلها أو يجحدها قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}[يس: ٦٠].

٢ - الوفاء في سداد الدين: اهتم الإسلام بالدَّين لأن أمره عظيم، وشأنه جسيم، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على قضاء الدين، وكان لا يصلي على الميت إذا كان عليه دين حتى يُقضى عنه. وقد قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله).

٣ - الوفاء بشروط عقد النكاح: قال صلى الله عليه وسلم: (أحقُّ الشروط أن توفُّوا به ما استحللتُم به الفروج). قال الخطابي: (الشروط في النكاح مختلفة فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقا وهو ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وعليه حمل بعضهم هذا الحديث، ومنها ما لا يوفى به اتفاقا كسؤال طلاق أختها، ومنها ما اختلف فيه كاشتراط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله).

٤ - الوفاء بين الزوجين: الوفاء بين الزوجين يجعل الأسر مستقرة والبيوت مطمئنة، فيكون رابط الوفاء بينهما في حال الشدة والرخاء وفي العسر واليسر.

٥ - الوفاء بإعطاء الأجير أجره: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه). وعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره).

٦ - وفاء العامل بعمله: وذلك بأن يعمل العامل ويعطي العمل حقه باستيفائه خالياً من الغش والتدليس، فعن عاصم بن كليب الجرمي قال: حدثني أبي كليب (أنه شهد مع أبيه جنازة شهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام أعقل وأفهم، فانتهى بالجنازة إلى القبر ولم يمكن لها، قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سووا لحد هذا. حتى ظن الناس أنه سنة، فالتفت إليهم فقال: أما إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره، ولكن الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن).

٧ - الوفاء بالنذر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) ويجب الوفاء بالنذر إذا كان نذر طاعة.

٨ - الوفاء بما التزم به من بيع أو إجارة: الوفاء بما التزم به من بيع أو إجارة، وغير ذلك من المعاملات المالية ما دامت مشروعة يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}[المائدة:١]، وسواء كانت هذه العقود مبرمة بين المسلم والمسلم، أو المسلم وغير المسلم.

اقرأ أيضًا: حكم وأقوال عن الوفاء.

الفرق بين الوفاء والصدق

قيل: هما أعم وأخص، فكل وفاء صدق، وليس كل صدق وفاء. فإن الوفاء قد يكون بالفعل دون القول، ولا يكون الصدق إلا في القول، لأنه نوع من أنواع الخبر، والخبر قول.

الفرق بين الوفاء والأمانة

معنى الأمانة قريب من معنى الوفاء؛ فإذا كانت الأمانة بمعنى الفرائض فمن الوفاء إتمامُها كاملة غير منقوصة، وكذا إذا كانت بمعنى الوديعة.

فوائد وآثار الوفاء بالعهد في الإسلام

الآثار المترتبة على الالتزام بالعهد والميثاق متنوعة ومتعددة، فهناك الآثار التي تخص الفرد وأخرى تعم الجماعة، بعضها في الحياة الدنيا، وأخرى يوم القيامة، فمن هذه الآثار:

١ - الإيمان:

وردت آيات كثيرة تنفي الإيمان عن الناقضين لعهدهم وتصفهم بالكفر، وفي المقابل وصف الله سبحانه وتعالى الموفين لعهدهم ومواثيقهم بالإيمان، قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[الحديد: ٨].

٢ - التقوى:

التقوى أثر من آثار الوفاء بعهد الله وثمرة من ثمرات الالتزام بميثاقه، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: ٦٣].

٣ - محبة الله:

أثبت الله محبته للمتقين الموفين بعهدهم، المستقيمين على عهودهم ومواثيقهم حتى مع أعدائهم ما استقاموا هم على تلك العهود، قال تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}[التوبة: ٧].

٤ - حصول الأمن في الدنيا وصيانة الدماء:

لم تقتصر آثار الوفاء بالعهد والميثاق على المسلمين وحدهم، وإنما شمل عدل الله الكفار الذين لم يدخلوا في دين الإسلام ولهم عهود مع أولئك المسلمين، فجاءت الآيات صريحة بوجوب الوفاء لهم وصيانة دمائهم.

٥ - الحياة الطيبة والجزاء الحسن والأجر العظيم:

وعد الله الموفين بعهدهم بجزاء عظيم قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ}[الأحزاب: ٢٣]. وقال تعالى: {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[الفتح: ١٠]

٦ - تكفير السيئات وإدخال الجنات:

ومن الآثار التي وردت في أكثر من آية جزاء لمن وفَّى بعهده والتزم بميثاقه الوعد بدخول الجنة وتكفير السيئات، قال تعالى: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}[البقرة: ٤٠] قال ابن جرير: (وعهده إياهم أنهم إذا فعلوا ذلك أدخلهم الجنة).

إرسال تعليق

أحدث أقدم